روائع مختارة | قطوف إيمانية | أخلاق وآداب | لصـوص الثقافـــة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > أخلاق وآداب > لصـوص الثقافـــة


  لصـوص الثقافـــة
     عدد مرات المشاهدة: 1923        عدد مرات الإرسال: 0

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم:

تعظيم الشعوب المسلمة للنصوص الشرعية أمر بدهي معروف، وكل من اطلع على التراث الإسلامي يجد أن السمة التي اتسمت بها الشعوب الإسلامية في مختلف العصور هي التسليم للنصوص الشرعية وتعظيمها ويظهر هذا جليا في كتاباتهم ورسائلهم، فهذا الشافعي رحمه الله سأله رجل عن مسألة فقال يروى فيها كذا وكذا عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال له الرجل يا أبا عبد الله أتقول به فأرعد الشافعي وإنتفض وقال: أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا فلم أقل به، نعم على السمع والبصر.

وقال وكيع بن الجراح لشخص إعترض عليه بقول أحد التابعين: أقول لك قال رسول الله وتقول قال إبراهيم! ما أحقك أن تحبس ثم لاتخرج حتى تنزع عن قولك هذا، وأمثال هذه الشواهد كثيرة.

إذن فالشعب المسلم هويته واضحة منذ قيام الإسلام وهي تعظيم النصوص والإنطلاق منها نحو فهم الحياة ومستجدات العصر وإستمر الحال حتى وُجد المتكلمون ومن بعدهم ممن يقدمون العقل على النقل ويقللون من هيبة النصوص إلا أنه مالبث أن كُشف عوارهم وأُظهر ضلالهم فلا تظن أن الشعب المسلم يرضى أن يقتحم أحد سياجها المنيع بمصادمة النصوص أو الوقوف ضدها، وحتى في عصرنا الحاضر حينما وفدت إلينا بعض الأفكار المنحرفة أمثال الليبرالية والعلمانية لم تجد مكانا بين الشعوب الإسلامية بمفهومها الغربي البحت.

إلا أن المطلع مؤخرا على بعض المواقع الالكترونية والمجلات يجد أن فئة من الناس ظهرت تحمل تلك الأفكار الغربية السابقة إلا أنها باتت تصبغ أفكارها صبغة إسلامية وأصبحت بدل أن تصادم النصوص بأفكارها تسايرها وتدخل تحتها بمسمى الخلاف الفقهي أو الكليات أو المقاصد والمصالح.

وبما أنهم يعلمون أن أية معركة ضد النصوص فهي محسومة النتائج ولن يربحوها مهما حاولوا لذلك أتوا إلى العامة وسوقوا أفكارهم القديمة بثياب إسلامية وأدلة شرعية فهم لم يخترقوا النصوص ولم يصطدموا به بل سايروه أو أولوه ليكون في صفهم.

وحينما تخترق اللصوصية الثقافية -أدعياء المعرفة والعلم- هذا السياج المنيع للأمة فهو مؤشر خطر يجب على العلماء وطلبة العلم أن ينبهوا عليه ويكشفوا زيغه وبطلانه، وهذه وقفات مع بعض هذه الأفكار التي يروج لها لصوص الثقافة ولقيت رواجا في الأمة الإسلامية.

¤ غطاء الخلاف الفقهي:

لا يخفى على أحد مافي التراث الفقهي من خلافات كثيرة إلا أن تلك الخلافات منبثقة إما من عدم ورود النص أو في الإختلاف في فهم النص فالفقهاء من النص يبدؤون وإليه يعودون وبه يحكمون وإليه يحاكمون.

ومن يلقي اليوم نظرة سريعة على بعض الكُتّاب الذين يغطون آرائهم وأفكارهم المنحرفة بالخلاف الفقهي يجد أنهم يقررون مبادئهم أولا ويحددون طريقتهم ويضعون أفكارهم ثم يقلب في التراث الفقهي ليبحث عن أي شيء يساند فكره وتراه بعد ذلك يقول لكل من يقف ضده بأن هذا رأي فلان أو قال به فلان أو هي مسالة خلافية وغاب عن نظره قوله تعالى {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} فالحَكَم هو كتاب الله وسنة رسوله عليه السلام لا إتباع الهوى، وإختيار قول من أقوال الفقهاء يجب أن يكون عن تتبع للدليل وليس لأحد أن ينظر إلى الأقوال ويختار منها ما يوافق هواه.

ومع ذلك كله إلا أن البقع السوداء لا تختفي عن أقوالهم فكل من يطلع عليها لا يجد عناءً في كشف باطلهم فمن ينطلق في المسألة عن النص الشرعي وتتبع الأدلة يظهر الفرق بينه وبين من يقرر أفكاره أولا ثم يبحث عن أي دليل أو قول يسانده فالأخير هذا تجد في كلامه الضلال وتتبع الهوى وتجاوز للنصوص فمثلا حينما يتكلم عن صلاة الجماعة ويقرر بأنها ليست واجبة تجده يدعو إلى ترك الجماعة وكأن الأصل الصلاة في البيت ومن صلى جماعة فقد أتى منكرا ويظل في كل مجلس يردد تلك المسألة وكأنه فرغ من أمور الإسلام ولم تبق إلا تلك المسألة ليبينها للناس وينافح عنها.

¤ الأسلمة وقصة التسرب:

هو حر ... لاتلزمه عليك النصيحة فقط ... لا تمنع فهذا أمر بينه وبين ربه.

هذه بعض التسربات التي لاينكرها أحد والتي نراها واقعا ملموسا بين شبابنا وهذا الفكر الخطير الذي تسرب إنما هو ناتج عن تلك الأسلمة التي أتكلم عنها.

حينما وفدت العلمانية بثوبه الغربي البحت الذي يقضي بتنحي الدين تماما لم يجد كثير قبول بين أوساط الشعوب المسلمة وحتى بين عوام المسلمين وحينما لم تنجح هذه الفكرة أخذ بعض لصوص الثقافة ممن تشربوا العلمانية ولم يستطيعوا تمريرها على الشعوب المسلمة أخذوا بأسلمة العلمنة والتخفيف من حدتها فبدل تنحية الدين أصبح الالتزام بالدين شيئ يُحمد عليه دون لزام أو منع فليس في الإسلام ثمت أوامر إلزامية أو نواهي فالإنسان الذي يؤدي شعائر دينه هو إنسان يعرف مصلحة نفسه وأما الآخر فلا تلزمه ولاتمنعه فقط إنصحه وإتركه وشأنه.

وغفل هذا عن قوله عليه السلام «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده» فأول طريقة لتغيير المنكر هي منع النمكر وإذا أُسقط الإلزام والمنع فماذا بقي في الإسلام ومن يقول بأن الإنسان حر ولا نلزمه بشء فهو في باحة العلمانية وإن داس على إسمها وتبرأ منها.

أسلمة أخرى باتت تأخذ حيزا كبيرا في الأمة الإسلامية وهي أسلمة الديمقراطية فهم لايقولون نجنب الدين ولانحكم به وإنما يقولون ننتخب عليه فإذا وافقت الأغلبية على الإسلام حكمنا به وإلا بغيره وهذا مؤشر خطر كبير، فمنذ متى أصبح الإسلام تبعا لرغبات الناس إن أرادوه طبقناه وإلا أقصيناه، وحينما نجعل الإسلام مجرد قانون أو مادة في الدستور ننتخب عليه ونختاره بالأغلبية فهذا يعني أن الأغلبية إذا رفضت فسنلغيه وهذا مسلك خطير إنتشر في زمننا هذا، فلصوص الثقافة يسعون إلى تغيير المفاهيم الإسلامية ويصبغون أفكارهم العلمانية ببعض النصوص الشرعية ليمرروها على الجيل المسلم.

¤ الخلط:

حينما تقرأ للصوص الثقافة تجد كثيرا هذه العبارات -يجب أن نعيد النظر في بعض الأحكام الشرعية وفق المقاصد الشرعية ... أو وفق متطلبات العصر ... أو لابد من مراعاة تغير الزمان في الفتاوى- وهم بذلك يريدون أن يرفعوا لافتات المقاصد الشرعية لمقاصدهم النفسية المنحرفة.

المقاصد الشرعية عند من كتب عنها أمثال الجويني والعز بن عبد السلام وشيخ الإسلام ابن تيمية والشاطبي كانت عبارة عن كليات مستخرجة من إستقراء كلي لكافة النصوص والأحكام الجزئية، ولايصح أن يرد بها أي حكم جزئي وهذا الشاطبي يقول: كما أن من أخذ بالجزئي معرضا عن كليه فهو مخطأ كذلك من أخذ بالكلي معرضا عن جزئيِّه.

أما المقاصد عند هؤلاء فهي ليست مقاصد الشريعة بل هي مقاصد النفوس المريضة والتي يسعون من خلالها إلى رد بعض الأحكام الشرعية الغير مرغوب بها عندهم.

فتجدهم يقولون مثلا حد الردة ينافي الحرية التي أتت بها الشريعة الإسلامية أو أن تغطية الوجه تنافي تكريم المرأة وهكذا يطالبون بالنظر في الأحكام الشرعية بمايسمونه مقاصد شرعية وهي مقاصد الأنفس المريضة كما أسلفت، وإذا إنجررنا إلى هذا لن يبقَ في الإسلام شيء فكل شيء يمكن أن يُعترض عليه بأنه ينافي شيئا ما من حرية أو تسامح وغيره.

ويشابه هؤلاء من يخلط بين الحق والباطل ويجعلهما في مرتبة واحدة فتجده يقول يجب أن نسمح ببناء الكنائس في ديار المسلمين أو نسمح بالدعوة إلى الديانات الباطلة لأننا نفعل المثل وندعوا إلى الإسلام في ديارهم أو يقول يجب أن لا نمنع سب الله ورسوله لأننا نسب أفكارهم أو دياناتهم أو يشدد على ضرورة فتح الباب وعدم التضييق على الملتقيات الإلحادية بحجة أن الإسلام ليس إلزاما وهو إنما يعتنقه المسلم عن إقناع فلا يجب أن نسد هذه الأبواب، وهذا خلط واضح فليس الباطل بمرتبة الحق وكيف يُسوى بين مرتبتين فرق الله بينهما {أفنجعل المسلمين كالمجرمين*مالكم كيف تحكمون}

¤ أين الخـــلل:

إذا تكلمنا عن لصوص الثقافة يجب علينا أن نعرف موطن الخلل، ما الذي أنتج هؤلاء؟ ومن أين تشربوا أفكارهم؟

للجواب عن هذا يجب أن نفهم عدة أمور:

أولا/ التسربات الفكرية لها دور كبير في إخراج أمثال هؤلاء، تأمل معي رجلا يدخل إلى مواقع تبث أفكارا منحرفة ويقرأ لهم ويحاورهم وبعد مدة وجيزة تجد أن بعض الأفكار قد تسربت إليه من حيث لا يعلم ويدافع عنها ويقررها بدل أن يردها ومن أكبر أسباب هذا التسرب -بغض النظر عن الاتكال على النفس وعدم الرجوع إلى العلماء – هو التسليم بقضايا كلية ليست نابعة من كتاب أو سنة وإنما تقررت لديه في خضم الحوارات التي يخوضها مع هؤلاء فمثلا حينما يدعو الغرب إلى أن يكفلوا حرية المسلمين والسماح لهم بالدعوة إلى الله وبناء المساجد يقال له لماذا إذن لا تسمحون لنا أنتم ببناء الكنائس؟ يرد على الفور بأن الإسلام يكفل الحريات فأنتم في ديارنا لكم الحرية في بناء الكنائس والدعوة إلى دينكم وهو بذلك يقع فيما تكلمنا عنه سابقا عن الخلط بين الحق والباطل.

ثانيا/ إيمانه بأنه يجب أن يدعو الناس بمقدمات وأدلة عقلية فيظل يبحث فيها وينقب عنها ويفني عمره في قرائتها دون تأصيل شرعي سابق فيقع في المحظور وما زلَّ أولئك الدين خاضوا في علم الكلام إلا لأنهم ظنوا مثل ظن هؤلاء فقالوا يجب أن نقنع المخالفين بالأدلة العقلية وإنتهى بهم المطاف إلى تقديم العقل وتقديسه وجعله هو الأصل والحكم.

ويجب على من يظن هذا الظن أن يعلم أن الهداية بيد الله سبحانه وتعالى {إنك لاتهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء} وأن الكفار يريدون أدلة غير التي يوردها {وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا} وهو وإن بان لهم الحق فلن يؤمنوا {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا} وجماع الأمر {وماكان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله}.

ثالثا/ الظن بأن السلفية جماعة وليست منهجا فيرى أن السلفية جماعة محددة ثم إن هذه الجماعة تخطأ في مسائل فيحمل أخطائها على السلفية فينفر منها وقد غاب عن ذهنه أن السلفية منهج لا جماعة وهو التسليم للنصوص الشرعية وتعظيمها واتباعها على فهم السلف الصالح.

هذا ماتيسر جمعه على عجالة ولصوص الثقافة كثيرون يجب على العلماء وطلبة العلم أن يبينوا مسالكهم وخطرهم ويوضحوهم للناس حتى لا يقعوا في شباكهم وقد بحثت هذه المسائل في كتاب معركة النص بجزئيه وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الكاتب: إبراهيم بن محمد صديق.

المصدر: موقع صيد الفوائد.